عن الآباء والأبناء: كابوس طلال ديركي

من خلال قصة أبو أسامة الجهادي السوري المنتمي للقاعدة في تنظيمها بسوريا تحت اسم جبهة النصرة في مدينة إدلب شمال سوريا، نرى تفاصيل قد لا ندركها جميعاً عن أثر الحروب على الأطفال،

"عن الآباء والأبناء" هو الفيلم الوثائقي الطويل الثاني للمخرج السوري طلال دركي بعد فيلمه الأول "العودة إلى حمص".

 من خلال قصة أبو أسامة الجهادي السوري المنتمي للقاعدة في تنظيمها بسوريا تحت اسم جبهة النصرة في مدينة إدلب شمال سوريا، نرى تفاصيل قد لا ندركها جميعاً عن أثر الحروب على الأطفال، واقع مؤلم نشاهد فيه أباً حنوناً جداً على أطفاله يحرص على إعدادهم كمجاهدين وإرسالهم كقرابين إلى الموت.

أختار طلال ديركي مخرج الفيلم التركيز على علاقة الأب بأولاده أكثر من اهتمامه بطبيعة الدور الجهادي الذي يقوم به الأب، فدور الأب -أبو أسامة- الأساسي في الفيلم هو البحث عن الألغام  وتفكيك بعض القنابل البدائية الصنع وإطلاق النار على أعدائه أحياناً ولكن ليس هذا هو موضوع الفيلم، ولا التنظيم وعلاقة الأب به إلا من خلال تأثير كل ما سبق على الأبناء. القصة في الأساس هي قصة الآباء والأبناء في ظروف ما فرضها واقع الحرب في سوريا على أسرة ، حيث يحلم الأب بالخلافة الإسلامية ويحكي عن حبه الشديد لقادة القاعدة وطالبان ويرى أن تنظيم داعش "ابن غير مطيع" لمشروع الخلافة الإسلامية والتنظيمات الجهادية السلفية.

أولاد الأب الكبيران أسامة وأيمن -المسميان تيمناً بأسامة بن لادن وأيمن الظواهري - أختارا دروباً مختلفة لحياتهما رغم أنهما عاشا نفس الظروف، وكان تفاعلهما مع تفاصيل ما عاشوه خلال مدة تصوير الفيلم كان أيضاً تفاعلاً مختلفاً.

"عن الأباء والأبناء"  فيلم لا تملك إلا أن تأخذ منه موقفا، فمن الصعب أن يمر مروراً عادياً، وقد اختلفت ردود الفعل حوله منذ عرضه، فالبعض يرى أنه يخدم النظام السوري ويروج لخطابه، بينما يرى آخرون أنه يتعاطف بشدة مع بطل الفيلم الجهادي، وبين النقيضين يظهر طلال ديركي مخرج الفيلم كشخص استثنائي يملك حضوراً قوياً رغم غيابه الكامل عن الأحداث أمام الكاميرا تقريباً.

كيف استطاع ديركي معايشة أسرة أبو أسامة مدة الفيلم الذي استغرق تصويره 330 يوماً على مدار عامين ونصف، ليصبح جزءاً من حياتهم اليومية حتى يكاد لا يشعر بوجوده أحد. قدرة ديركي على التقاط العديد من التفاصيل كانت مدهشة في بعض الأحيان ومحبطة جداً في أحيان أخرى لدرجة تدفعك لأن تسأل "لماذا!"، هل كان أميناً في نقل الحكاية؟ وماهي حدود مخرج الفيلم الوثائقي في فيلم مثل هذا؟ وهل هناك حدود أصلاً؟

 يرى البعض أن الفيلم قدم صورة مجتزأة عن الصراع الجاري في سوريا، وأنه نحى أطراف الصراع الأخرى كأن أحداث الفيلم تحدث بشكل منفصل عن أي سياق، ويرى آخرون أن الوثائقي يجب أن يكون أميناً في نقل القصة بذكر ماسبقها وما تلاها وما عاصرها في مناطق أخرى، وآخرون اعتبروا أن ديركي ليس مجبراً على سرد ما هو معلوم عن الوضع في سوريا بالضرورة، وأن من حقه اختيار زاويته الخاصة التي يرغب أن يحكي من خلالها مايريد أن يحكيه.

بين إدانة الفيلم تارة بالتعاطف مع الجهاديين واتهامه تارة أخرى بانحيازه  للنظام ، يوجد بعد آخر أختاره طلال ديركي ليحكي قصة عن الأباء والأبناء والثمن المدفوع، عن أحد أوجه تأثيرات الحرب على حياة الصغار، ليدين قتلة الطفولة بكل أشكالهم وانتماءاتهم.

"في صغري، علّمني أبي أن أكتب كوابيسي كي لا تعود إليّ مجدداً"

الفيلم إشكالي ومربك جداً، ولا يمكن التعامل معه كتسجيل لأحداث بذاتها أو لنمط حياة الجهاديين بشكل عام، فالكثير من القطات محملة بحديث طويل لم يقال، تغضب من ديركي في أحيان وتندهش في أحيان أخرى، ولكن الفيلم ببساطة هو ما قاله بصوته في بداية الفيلم، كابوسه الذي قرر كتابته.

فاز فيلم عن الآباء والأبناء بجائزة أفضل وثائقي من مهرجان صن دانس 2018، بالإضافة لعدّة جوائز أُخرى وترشيحات أكثر،  منهم ترشحه الأخير لجائزة الأوسكار .

    إضافة تعليق جديد

    نص عادي

    • لا يسمح بوسوم HTML.
    • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
    • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.