"الهدية"... صراعات نسوية في عين معاصرة
في فيلمها الروائي الأول، بعد ثلاثة أفلام وثائقية، تراقب المخرجة لطيفة الدغري بكاميرا متلصصة بطلتها مريــم، شــابة محافظــة ومتحجبــة، تعمــل كمربيــة فــي حضانــة، تقــرر فــي عيــد زواجهــا أن تهــدي عذريتهــا مجــدداً لزوجهــا صبــري.
في فيلمها الروائي الأول، بعد ثلاثة أفلام وثائقية، تراقب المخرجة لطيفة الدغري بكاميرا متلصصة بطلتها مريــم، شــابة محافظــة ومتحجبــة، تعمــل كمربيــة فــي حضانــة، تقــرر فــي عيــد زواجهــا أن تهــدي عذريتهــا مجــدداً لزوجهــا صبــري الذي يعمل كسائق تاكسي، ومــن خــلال هــذا القــرار الســاذج واليائــس، تــراود مريــم بعض الأفــكار التحرريــة.
مدخل ذكي لفيلم نسوي بامتياز، تصنعه مخرجة عن امرأتين، إحداهن مربية والأخرى أم عزباء تتاجر في الملابس الداخلية النسائية، وتتعرض المخرجة من خلالهن لقضايا النساء في المجتمع العربي. تدور أحداث الفيلم في تونس، لكن يمكن استبدال المكان بأي مجتمع ذكوري سلطوي وأبوي، تقاس فيه الرجولة بمدى قدرة الرجل على فرض إرادته على النساء حوله سواء كان هذا الرجل هو زوجها الذي يفرض عليها الحجاب، أو الجار الذي يفرض نفسه على الأم العزباء، أو ضابط الشرطة، أو مجرد مار في الشارع.
هناك كذلك ازدواجية جلية للمعايير، حيث يغلف الزوج رغبته في التحكم بغلاف السلطة الدينية والمحافَظة على الأخلاق، ومظاهر التدين ظاهرة ومتداخلة في أدق تفاصيل حياته اليومية حتى في استخدامه الأذان كنغمة لهاتفه المحمول. ويتحكم المجتمع في شكل المرأة ولباسها، ويفرض عليها حجاباً متحفظاً في الشارع، وملابس مثيرة في غرف النوم. والرجال وإن كانوا يفرضون البرود الجنسي على زوجاتهن كدليل على الاحترام إلا أنهم يهجرونهن لذات السبب. تثيرهم المرأة المتحررة إلا أنهم يحتقرونها في نفس الوقت.
التأثير الذكوري للمجتمع في حكايتنا هنا يتعدى كونه قامعاً ومقيِّداً لحرية بطلاته، ويصل الى حد برمجتهن، فلا يكتفي بجعلهن مستسلمات لما يُفرض عليهن، بل يتحولن إلى جزء منه، مؤمنات بقيوده وشروطه مهما كانت مجحفة عليهن، فالشخصية الرئيسية مريم –بما في اسمها ومهنتها كمربية في أحد رياض الأطفال من دلالة على النقاء والفطرة وربما السذاجة- ترى نفسها كأداة متعة، مجرد إناء يفرغ فيه زوجها توتره البيولوجي (بوصف نوال السعداوي)، ولا ترى لنفسها الحق في علاقة جنسية قائمة على الحب والتشارك، هي حتى لا تستطيع مصارحة زوجها برغباتها الجنسية، فترى في الهدية فرصة لاستعادة الحرارة في علاقة أصابها الفتور، محاولة يائسة تحاول فيها إسعاده أولاً لعله يسعدها فيما بعد. ووسيلتها هنا هي إعادة إهدائه لأغلى ما تملك -أو هكذا اقنعوها- عذريتها.
إضافة تعليق جديد