عفاريت الأسفلت.. كيف نسرد حكاية عن الحياة والموت؟
تعلمنا الحياة أن نسلك دروبًا طويلة ونتأرجح بين السير والتعثر، لأن الحياة هي المشي أطول وقت ممكن دون وقوف.
إذا كان الطريق هو مجاز لمساراتنا في العيش، فإن فيلم "عفاريت الأسفلت" هو الاستعارة الفنية التي يقدمها لنا المخرج أسامة فوزي والسيناريست مصطفى ذكري في فيلم عن الحياة عبر طرق يقطعها سائقي الميكروباص -أبطال الفيلم- ويسيرون فيها بتوازٍ دون أن يصلوا في النهاية إلى محطة الوصول لأن الرحلة كالحياة طويلة ولم تنتهي بعد.
ميراث الأسطورة
يقول الشاعر الفرنسي باتريس دوبان "إن الشعب الذي لا أساطير له يموت من البرد"، وهو ما يربطنا بالفيلم الذي يُشبه قصص ألف ليلة وليلة، بل هو يصلح بالفعل ليكون حكاية معاصرة تُضاف إلى الألف حكاية حيث تتوافر في الفيلم أغلب العناصر التي تميز الحكايات الأسطورية لشهرزاد، هناك راوٍ لا يمل الحكي، علاقات متشعبة، هناك ثنائيات، الشهوة والجنس، الصداقة والحب، الخيانات، الحياة والموت، هناك أسطورة مختبئة عن أناس يبحثون عن الأمان في أحضان الآخرين.
فاكهة محرمة
لا يقدم لنا سيناريو الفيلم أبطالًا مثاليين بمعنى الكلمة، لا ينصب محاكمة لشخصياته، لا يدينهم أخلاقيًا، ولا يدعمهم أيضًا، بل يقدم حكاياتهم بصورة محايدة ويتتبع شهواتهم على فطرتها، وتؤطر الثنائيات في الفيلم لسلسلة من العلاقات المحرمة، فالكل في الحكاية يعشق زوجة أخيه/جاره، وهو ما يجعلنا ننحي جانبًا أي أحكام أخلاقية عن شبق النساء أو خيانات الرجال لننتصر في النهاية إلى الإنصات للحكاية، كأنه صراع شخصي نشتبك نحن معه بقدر اشتباك الشخصيات وتورطها فيه.
إن الزمن الدرامي للفيلم محدود ومكثف لا يتعدى 48 ساعة، وهذا الزمن المضغوط سمة لها هدف درامي واضح يتعمد التركيز على حدث بعينة من حياة الشخصيات تتشكل فيه محور الحكاية وتتبدل بعد أن كانت تسير بشكل طبيعي في السابق قبل أن يبدأ الفيلم.
"إزاي يموت وأنا بحكي الحكاية؟!"
في نهاية الفيلم تجتمع الشخصيات في سهرة غير مرتبة بعد انتهاء طقوس العزاء، كأن الحياة في هذا المشهد تستمر على شرف الموت، والحكايات أيضًا لن تتوقف وستستكمل مع أناس آخرين ربما، في عالم آخر يُشبههم، كأن الحكاية هي وسيلة التداوي التي اختارتها الشخصيات لتستمر في الحياة وتفسر مغزاها فتبقى إلى الأبد.
في نهاية الفيلم نرى كل الشخصيات -بعد أن فرغت من حزن الموت- وهي تلتف حول طاولة مستديرة يأكلون ويستمعون إلى القصة التي يحكيها لهم الأسطى محمد الحلاق، هذا الالتفاف الدافئ للغاية لا يشبه البرد الذي يذكره الشاعر باتريس دوبان، بل إنه من أكثر المشاهد حميمية حيث يجتمع الكل في النهاية من أجل سماع حكاية هارون الرشيد والوزير والعشاق وعشيقاتهم، دائرة يمتزج فيها الماضي بالحاضر، والأسطورة بالواقع، والحب بالموت والحياة، وينتهي الفيلم بنهاية الحكاية فيسأل المشاهِد نفسه، تُرى ما هي الحكاية التي يعيشها؟ وماهو الطريق الذي يجب أن يسلكه ليستمر في الحكي؟
إضافة تعليق جديد