بورتو فارينا...سينما عبثية وأسئلة ثقيلة
من أول لقطة في الفيلم التونسي وجدت نفسي أدقق السمع للتأكد من اللغة التي يتحدثها الممثلين والتأكد من أنني أشاهد الرابط الصحيح للفيلم التونسي بورتو فارينا وليس لفيلم من دول البلقان،
ومع المشهد التالي تتأكد الإحالات الواضحة لأفلام أمير كوستوريكا، فالألوان والأزياء والتكوينات وحتى الموسيقي تخلق مناخاً عابثاً تماماً يفصلك عن أي توقعات أو أي تصورات نمطية يمكن أن تتصورها عن "تونس" هذه، فمنذ اللحظة الأولى يعقد الفيلم مع المشاهدة اتفاقاً واضحاً بأن هذا الفيلم لن يلتزم بأية قواعد واقعية، وعليكِ إن أردتِ الاستمرار في المشاهدة أن تستلمي للّعبة.
هذا الفيلم سيحكي قصته خارج قواعد الزمن والمكان، ولا يهم إن كانت بعض المَشاهِد ستشعِرِك بأنكِ تشاهدين مسلسلاً تركياً تدور أحداثه في أوائل القرن العشرين ليأتي المشهد التالي أقرب لمناخ فيديو كليب أغنية "حبيبي يا نور العين" لعمرو دياب ليتبعه مشهد يبدو خارجاً من فيلم مكسيكي، فكل هذا لن يؤثر في أحداث القصة التي هي في الحقيقة قصة تقليدية تماماً قرر المخرج دفعها حتى النهاية لأعلى درجات الميلودراما عن قصد واضح تصلح لأن تكون ميلودراما من بطولة فاتن حمامة أو ليلى مراد، تقدم في إطار عبثي صاخب ومبهرج، بحيث لا يخلو مشهد من تفصيلة مضحكة على هامش الحدث تمنعك من التماهي الكامل مع الشخصيات والقصة وتذكرك بالمؤامرة الساخرة التي يحيكها صناع الفيلم كأنهم يقولون: "إحنا جايين نهرج على فكرة".
إلا أن مزيج الميلودراما التقليدية والتناول العابث تماماً لها، يعطي الفيلم طابعاً حديثاً يناقش من خلاله أسئلة عن السلطة والمجتمع الأبوي والذكورية الهشة بدون مبالغة في الجدية. لا يغيب على أحد أن هذه المقاربة العابثة من السهل أن تحول الفيلم إلى عمل فني فج ومبتذل للغاية، خاصة لو كان الأداء مليئاً بالصراخ والمبالغات والنكات المباشرة، إلا أن الفيلم في رأيي قد تمكن من تفادي ذلك الفخ باعتماده على طاقم تمثيل ضم نجوماً مهمين في السينما التونسية يتعاملون مع العبثية بمنتهى الجدية وهو الأمر الذي أحدث التوازن المطلوب، و يتضح ذلك خاصةً في شخصية الخالة مونيا التي كان من المحتمل أن تتحول لشخصية كاريكاتورية سخيفة لولا أداء الممثلة وجيهة جندوبي الذي هو وحده سبب كاف لمشاهدة الفيلم، فقد كنت أنتظر مشاهدها بفارغ الصبروأبتهج بقدر من البلاهة عند ظهورها على الشاشة.
بالنهاية، فيلم بورتو فارينا للمخرج التونسي إبراهيم لطيف هو فيلم كوميدي عابث مسلي، وممتع خالي من الادعاء.
إضافة تعليق جديد