"لا أحد هناك" المعجزة في مساحات غير متوقعة
في شوارع المدينة الخالية سوى من أشباحها؛ يجد أحمد نفسه تائهاً، ولكن الليلة يجب عليه مساعدة فتاة لا يعرفها لعمل عملية إجهاض؛ ولجلب المبلغ المطلوب يتورط مع مجموعة تقودهم فتاة أخرى تود كشف سر الزرافة المخبأة في حديقة الحيوان.
صنع أحمد مجدي فيلمه الروائي الطويل الأول -كمؤلف ومخرج ومدير تصوير- مع فريق من الوجوه الجديدة، وبميزانية قليلة، بطريقة "عضوية" إن جاز التعبير، فلم يكن مجدي مهووساً بالتحكم في كل عناصر الفيلم بقدر ما ترك الفيلم ليكشف نفسه بنفسه له وللفريق أثناء مراحل صناعته، فبدلاً من التسلسل المعتاد لكاتب لديه فكرة تتطور إلى سيناريو، ثم يسلّمه لمخرج يدخل به مرحلة التنفيذ، لدينا هنا على حد وصف المخرج/المؤلف محاولات عشوائية للكتابة، واتجاه بصري قوي تجريدي الطابع، وجدوا طريقهم سوياً حتى تشكل الفيلم بخصوصية وأصالة.
التجريد في الفيلم لا يقتصر على الشكل، حيث مساحات واسعة من الفراغ والعتمة -خاصة في المشاهد الليلية- بل هو جزء من المضمون أيضاً، فهناك اقتصاد شديد في المعلومات؛ حوارات قليلة متناثرة، مشاهد تبدأ من منتصف الحدث ولا تنتهي بانتهائه، شخصيات بلا تاريخ محكي، معلقة في فراغ مدينة خالية إلا منهم، فكانت النتيجة جو عام يشبه الكابوس، يمتص المشاهد ويثيره للاشتباك معه بدلاً من مجرد "الفرجة" عليه.
على مدار الفيلم الذي تدور أغلب أحداثه ليلاً، كثيراً ما تراقب الكاميرا الشخصيات، ليس ا أثناء كلامهم، بل أثناء إنصاتهم لحكاية ما من بدايتها لنهايتها، مثل حكاية الزرافة، الحيوان المهيب الذي يشبه ذكره أنثاه ولا ينطق، تماماً كشخصية الفتاة الحامل التي لا يعطيها الفيلم اسماً، ولا تأتي الحكايات هنا لتعطي رموزاً واضحة عن الشخصيات، بل هي مجازات وكنايات تعكس عوالمهم الداخلية بدون أن تكشفها بالكلية.
يضع الفيلم إشارات عن العالم الليلي لمدينة منتهية خالية، خطرة مليئة بالدم والقتل والإجرام، يسير في شوارعها الأموات والأحياء. القاهرة في الفيلم مدينة تنتهي -إن لم تكن قد انتهت بالفعل- وأبطال الفيلم يمرون برحلة حالكة، داخلياً وخارجياً، لكن الفيلم يؤمن بإمكانية حدوث شئ ما، سحري وغامض، كمعجزة تحدث في وسط هذه العتمة ومنها، حيث لا أحد هناك.
إضافة تعليق جديد