أكاشا .. الحب لا يكفي .. الحب هو البداية
في ٢٠١٨ عند عرض فيلم "أكاشا" الفيلم الروائي الطويل الأول للمخرج حجوج كوكا، وعند عرض الفيلم تغيب بطلا الفيلم كمال رمضان وجانجا شكادو عن حضور العرض الأول للفيلم
سواء في العرض الأول في مهرجان فينيسيا، أو في عرضه الأول في أمريكا الشمالية بمهرجان تورنتو السينمائي الدولي وذلك بسبب عدم قدرتهم على السفر لأنهم لا يملكون جوازات سفر أو أي وثيقة إثبات شخصية، حيث أن أهالي القرية التي تم تصوير الفيلم فيه، ومنهم بطلا الفيلم، لا يملكون في غالبيتهم أية وثيقة إثبات شخصية، حيث أنهم ولدوا في مناطق حرب ومن ولد أثناء الحرب هناك، لا يملكون شهادة ميلاد، وقد عاشوا طوال سنوات الحرب وانتهى الأمر بهم على هذه الحال، فلا يوجد دولة من الأساس ليُطلب منها إثبات الهوية.
بتلك المعلومات نستطيع أن نأخذ فكرة أولية عن السياق الذي أنتج فيه "أكاشا" الفيلم المنتج في العام ٢٠١٨ من كتابة وإخراج حجوج كوكا وبطولة كمال رمضان وإكرام مرقوص وجانجا شكادو وعبدالله النور، الفيلم هو ثاني أفلام حجوج بعد فيلمه التسجيلي الأول "إيقاعات الانتينوف" المنتج في العام ٢٠١٤ والذي تدور أحداثه ايضاً في نفس المنطقة التي تدور فيها أحداث فيلمه الروائي "أكاشا" وهي منطقة جبال النوبة والتي تقع في جنوب كردفان في دولة شمال السودان، الفيلم يتتبع حكاية “عدنان" أحد جنود الحرب الثوريين المعروف بثوريته وإخلاصه، والذي يعشق القتال بقدر عشقه لحبيبته لينا التي عانت معه طويلاً، وعندما يتأخر "عدنان" عن العودة لوحدته العسكرية من إجازته، يصدر القائد تعليمات بـ"أكاشا"، وهي التي تعنى مطاردة الجنود المتغيبين والقبض عليهم. الفيلم هو قصة حب ساخرة في زمن حروب منطقة جبال النوبة والتي تعيش صراعاً مسلحاً بين القوات الحكومية والجماعات الثورية.
في ٢٠١٤ قدم حجوج كوكا "إيقاعات الانتينوف" وهو فيلم تسجيلي طويل يحكي قصة أهالي النيل الأزرق وجبال النوبة في السودان وكيف يتعاملون مع الحرب الأهلية وكيف أن الموسيقى التقليدية هي ركن أساسي في الحياة اليومية لأهالي تلك المناطق، وكيف تمثل تلك الموسيقى الآن تحدٍ اجتماعي في مواجهة الحرب، وفي "إيقاعات الانتينوف" نعرف أن مع دخول الخريف وهطول الأمطار بغزارة تتوقف الحرب حيث أن طبيعة الطرق الوعرة مع المطر والطين تجعل انتقال المعدات العسكرية من مكان لآخر أمراً مستحيلاً، وتلك اللحظة التي تتوقف فيها الحرب فقط بفعل الطبيعة وظواهرها، هي نفس اللحظة التي تنطلق فيها الموسيقى والاحتفالات، وهي أيضاً نفس اللحظة التي تم فيها تصوير فيلم "أكاشا" وهي نفس اللحظة التي تدور فيها أحداث الفيلم.
في الفيلم محاولات عديدة للانتقال بين التسجيلي والروائي وهي محاولات متجاوزة للحدود الفاصلة بين الاثنين في تجربة ذاتية تحاول طرح التساؤلات والهواجس عن السياق العام لإنتاجهما، ولعل ذلك يتقاطع بشكل كبير مع تجربة المخرج أحمد فوزي صالح في تجربته في المدابغ والتي أنتجت لنا فيلميه؛ التسجيلي "جلد حي" والروائي "ورد مسموم"، ومع مشاهدتنا لتجربة التسجيلي ومن ثَم التجربة الروائية نجد أنفسنا متورطين مع تفاصيل الحكاية المروية عن أهالي المنطقة ونمط حياتهم، و يكون الروائي هو بمثابة محاولة لمسائلة التسجيلي بل محاولة لفهم الواقع من خلاله ليكون التسجيلي هو المرشد والروائي هو مساءلة المرشد ليس مجرد تتبع غير مشروط له.
في بناء حجوج لشخصياته هناك محاولة دائمة لوضع الشخصيات في مواقع محددة مبنية على خلفياتهم المعرفية وعلاقتهم بسياقهم العام في محاولة لتجاوز التصورات الجاهزة لديناميات العلاقات بين عناصر ذلك المجتمع ومحاولة فهم طبيعة تلك العلاقات بين المرأة والرجل، الجيش والأهالي، الثورة والعنف، المرأة والسلاح، الحب والحرب، على مدار ساعة و18 دقيقة يطرح حجوج مجموعة كبيرة من التساؤلات عن تصورات الثورة عن الحب وديناميات القوة في مجتمع يقف في موقع متجاوز للعلاقات بين أفراده، ومفاهيم النوع الاجتماعي والجنسانية، في متوالية من الشد والجذب بين كافة تلك التفاصيل.
إضافة تعليق جديد