"حقول الحرية"..حلم تحت صافرات الإنذار
حقول الحرية هو الفيلم الوثائقي الطويل الأول لمخرجته نزيهة العريبي، والذي تم تصويره على مدار خمس سنوات، وتدور أحداثه حول ثلاثة نساء وفريق كرة قدم في فترة ما بعد الثورة في ليبيا، حيث تنحدر ليبيا إلى حرب أهلية وتتلاشى آمال الربيع العربي.
ومن خلال منظور هؤلاء النساء، نرى حقيقة بلد يمر بمرحلة انتقالية، وتصطدم فيه روايات شخصية تتعلق بالحب والطموح والحلم.
يحاول الفريق النسائي لكرة القدم تحقيق حلم لاعباته في التمثيل الدولي واللعب باسم بلادهن خارج ليبيا، وبالتوازي مع خبو أحلام الثورة تحاول اللاعبات الحفاظ على بذرة حلمهن الشخصي. فكرة القدم هي اللعبة الشعبية الأولى التي يلتف حولها الجميع كما يظهر في مشهد الاحتفال بالفوز الذي حققه فريق "الرجال"، لكن في الجهة الأخرى ينمو حلم هؤلاء النسوة وسط الغضب والخوف. غضب عام يثيره ويرعاه التشدد الديني، حيث تصلهن رسائل تهديد من الجماعات الإسلامية، ويسمعن السباب الموجه إليهم على منابر المساجد لأنهن "طويلات وجميلات"، وحتى السياسيون وأعضاء اتحاد الكرة ممن أظهروا دعمهم للفريق الجديد، إلا أنهم لا يصمدون أمام الخوف بعد أن يتلقوا تهديداً مباشراً، ويأخذون حينها القرارات بالنيابة عنهم ليفضوا الفريق قبل أن يبدأ، فلا يتبقى لهن سوى أنفسهن، والاعتماد على ما يربطهن معاً، وإيجاد القوة والعزيمة والإصرار -وهو أيضا هتاف الفريق قبل اللعب- ليتمكنوا من الاستمرار رغم المصاعب.
كاميرا نزيهة العريبي قريبة من شخصياتها باختلاف طبقاتهن وخلفياتهن الاجتماعية والعلمية والقبلية، وعلى الرغم من أنها عاشت وتربت في الخارج، لكنها عادت لبلادها بعد الثورة، وقضت خمس سنوات في العمل على الفيلم، مما جعل علاقة العريبي بالشخصيات حميمية وقريبة منهن ومن تفاصيل حياتهن اليومية داخل وخارج الملعب، ومن أحلامهن ومخاوفهن. نساء ملهمات وقويات، بخفة ظل وذكاء يحولن أقسى المواقف وأصعبها إلى كوميديا سوداء ولاذعة.
يقدم لنا الفيلم عن طريق هذه المعايشة صورة مغايرة للصور المعتادة التي نشاهدها من خلال كاميرات الأخبار والإعلام، عن بلد اشتعلت به ثورة أعقبها شبح حرب أهلية، حيث مشاهد العنف والقتل والتفجير، وتأخذنا العريبي في فيلمها إلى صورة الحلم، أحلام النساء في تكوين فريق كرة القدم، وأحلامهن الشخصية في الزواج والتحقق المهني، ومن الخاص إلى العام إلى حلم ملايين النساء في لعب دور أكبر لمستقبل بلادهن، وإلى الحلم الأكبر لشعب استفاق من لحظة نشوة جماعية وحلم جميل برحيل طاغية، على كابوس الحرب الأهلية، والتطرف الديني، والجماعات المسلحة.
إضافة تعليق جديد