بحب السيما... والسيما تحب أسامة فوزي
لم يكن المخرج أسامة فوزي، يتعامل مع الإخراج بوصفه مهنة بقدر ما كان يظن في الإخراج أنه "عشق"، حيث أنه اهتم بالكيف لا بالكم طيلة حياته الفنية، والتي بدأت مع فيلمه "عفاريت الأسفلت"، ولم يخرج أسامة فوزي بعده سوى ثلاثة أفلام أخرى.
ولد أسامة فوزي في 19 مارس 1961، وتخرج من المعهد العالي للسينما عام 1984، وكان قبل ذلك قد عمل مساعداً للإخراج مع العديد من المخرجين بداية من عام 1978.
وقت عرض فيلم "بحب السيما" عام 2004، انطلقت بعض التظاهرات الصغيرة في بعض الكنائس تنديداً بالفيلم، ورُفِعَت قضايا لحجبه، ونادت أصوات كثيرة بمنع ذاك الفيلم الذي وُصِف حينها بإنه يتطاول على العقيدة المسيحية، وعلى الله، وقد يُحدِث فتنة طائفية، إلا أن الحظ حالف صناع الفيلم، حيث خسرت كل القضايا المرفوعة ضدهم، وتم عرض الفيلم بسلام، محققاً نجاحاً كبيراً.
اختار صناع الفيلم تيمة متكررة في الأفلام الأوروبية خاصة، وهي علاقة طفل بالسينما وولعه بها، لكنها لم تكن كسابقاتها في الأفلام الأوروبية التي تروي نشأة مخرج كبير أو كاتب منذ الطفولة وعلاقته بالسينما، وإنما كان عشق السينما مدخلاً لمجابهة "مرض القلق" المصاب به مجتمع يعاني من القهر والانغلاق، وقضايا فلسفية تمس علاقة الإنسان بالله وبالسلطة، من خلال عرضه لأسرة تنتمي إلى أقلية دينية، بداخل مجتمع يعاني من السلطوية والأبوية المفرطة.
نحن نتحدث عن العام 2004، وقت لم يكن الفضاء الإلكتروني مفتوحاً إلى هذا الحد، ولم يواجه الناس كل هذه الجرأة في طرح القضايا كما هو كائن الآن.
يطرح "بحب السيما" صورة المواطن المسيحي بشكل آخر غير الذي اعتاد عليه المشاهد في مسلسلات أسامة أنور عكاشة: المسيحي الطيب الوطني الذي يرسل أطباق الطعام والحلوى إلى جيرانه المسلمين، ويبدو وكأنه "سنيد" للمواطن المسلم. يتحدث عن مجتمع شبرا -الذي تغنت به المسلسلات التلفزيونية كمجتمع مثالي للتعايش- من منظور مختلف، تتفجر فيه الصراعات، وتنتهي احتفالاته وجنازاته دوماً بعراك وتشابك بالأيدي، ويرسم الفيلم شخصيات مسيحية من لحم ودم، ويعطي تاريخ كل شخصية في جملة عابرة.
وبالرغم من أن الفيلم يحتوي على العديد من المشاهد المباشرة، وأن الحوار قد نطق صراحة مقصد صناع الفيلم، كما أن الربط بين شخصية الأب المتسلطة، وشخصية الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، جاء واضحاً، حتى أن لحظة انكسار الأب "عدلي"، ونقاط التحول الكبرى في حياته التي أدت إلى تغير مسلكه قبل رحيله بفترة وجيزة، قد سارت في خط متواز مع هزيمة 1967، وجاء صوت عبد الناصر منبئاً بوفاة عدلي وهو يقول: "لقد قررت أن أتنحى تماماً ونهائياً....".
إلا أن الفيلم مليء بالدفء الإنساني، كما أن خطوطه الواضحة، متقنة، ولم يعاني الفيلم من ترهل في الأحداث، وكذلك تم رسم الشخصيات بعناية فائقة بما في ذلك الشخصيات الثانوية.
بالطبع هناك بعض الهنات، كأن يتزوج شخص شديد التدين مثل عدلي، من امرأة من طائفة أخرى، وهذا أمر يتناقض مع تزمته وتعصبه، أو كافتراض أن طائفة الأرثودوكس هي الطائفة المتشددة دوماً، أما الإنجيليين فهم أكثر انفتاحاً، وهذا افتراض ربما يجانب الصواب، فالتشدد الديني غير مرتبط بطائفة أو ديانة، وكان هناك بعض التعبيرات الإسلامية التي لا يستخدمها المسيحيون المتدينون عادة، إلا أن هذه الهنات لا تنتقص من قدر عمل مهم مثل "بحب السيما".
رحل أسامة فوزي عن عالمنا، وكنا ننتظر منه المزيد. سلام على روحه.
إضافة تعليق جديد