"جنة الشياطين" .. حكايات لا تنتهي بموت أصحابها
هبط آدم من جنته إلى الأرض حينما أكل من شجرة المعرفة، ونال برومثيوس عذابه الأبدي جراء إهدائه النار لبني البشر، أما "منير رسمي" فقد اختار بإرادته الحرة أن يهجر البيت والأسرة والوظيفة ليصبح "طبل" بطريرك القهاوي والغُرز وأشهر مقامر درجة ثالثة.
لكن هل موت طبل يعيد منير رسمي إلى الحياة؟ هذا هو جوهر سؤال مصطفى ذكري وأسامة فوزي في فيلمهما الثاني "جنة الشياطين" المأخوذ عن رواية "الرجل الذي مات مرتين" للكاتب البرازيلي جورج أمادو.
منذ لقطته الأولى يؤسس فوزي لفيلمه بجو غرائبي يشبه موضوعه، حيث يبدو المكان الذي يعيش فيه أبطاله خارج العالم، حيث لا يوجد سواهم.
يموت طبل فتحمله ابنته عبر جسر معلق في الهواء إلى بيته الأول الذي هجره باحثاً عن سعادته بالشكل الذي يختاره، مثله في ذلك مثل جعفر الراوي، وعمر الحمزاوي، وداوّد المصري عند نجيب محفوظ الذين خرجوا عن قطيع الأسرة والوظيفة المحترمة ساعين لإيجاد معنى لحياتهم.
وإذا كان زمن حكي الفيلم لا يتجاوز 24 ساعة هي الواقعة بين وفاة طبل واستعادة أصدقائه لجثته، فإن معنى الزمن عند فوزي وذكري يتجاوز ما هو أكثر من ذلك.
الزمن سائل يحدده مسار من يسرد الحكاية حسب دوره فيها، تارةً تحكيه حُبّة عن مشاجرة الإباجية التي فقد فيها طبل أسنانه، وتارة تحكيه الصورة الموضوعة أسفل جثة طبل تحكي زمناً لم يعد موجوداً كان فيه طبل لايزال بنسخته المحافظة.
ويبدو الماء الذي ينساب من الجثة وكأنه يغسل كل سوء أحدثه الأب في علاقته بابنته، فأصبحت تراه الآن كراهب أو قديس، وأما كل الفضائح التي فرضتها صعلكته فمجرد نزوات.
ولإنها تشبهه فعلاً – وإن أنكرت ذلك – فإن الإبنة سلوى التي أعادها موت أبيها طفلة تبكي وتنتظر ملاطفة الأب، فهي الآن مثله، ترفض أن توضع في صندوق بعد موتها.
أما طبل فهو لم يمت طالما بقيت حكايته تروى على لسان مريديه وأتباع فلسفته "الحي أبقى من الميت"، وهم وحدهم القادرون على جعل حكايته حية في تكرار لا نهائي.
فيفقد طبل أسنانه التي زرعتها له الابنة في محاولة يائسة منها لاستعادة شخصية منير رسمي، ويتكرر مشهد المشاجرة التي وصفتها حُبّة بإنها كانت "علقة موت" بينما يستعيد طبل أسنانه المعدنية مرة ثانية، وكأن الحكاية لن تنتهي.
ولأن الحي أبقى من الميت كما بشّر طبل دائماً، فبعد حكاية طويلة ترويها له حُبّة عن عزمها وبقية الشون الامتناع عن ملاقاة زبائنهن لمدة أسبوع حداداً عليه، ثم تراجعها عن هذا الامتناع اشتياقاً للزبائن ونقودهم.
بعد هذه الحكاية تنصرف عنه لتقبل أحد أصدقائه في شبق محموم يعلن الاحتفاء بالحياة، ويبدو النفق المقلوب الذي يأخذه إليه مجموعة الشياطين وكأنه مدخلهم إلى الجنة التي اختاروها بأنفسهم، جنة تحتفي بالجنس في مقابل الموت، تماماً كطبل، كبيرهم الذي علمهم السحر حينما فعلها قبل موته الأول.
إضافة تعليق جديد