لسة عم تسجل. عدسة الكاميرا في مواجهة فوهة مسدس

نستطيع القول أن الشخصية الرئيسية في هذا الفيلم والتي تلعب دور البطولة هي الكاميرا ذاتها ..الكاميرا المحمولة بحيث يكون دور صناع الفيلم وإسهامهم الفني والنضالي هو تجميع أكبر قدر ممكن من الصور لكي تلتقطها الكاميرا من منظورات متنوعة لحدث واحد

يوميات ومعارك الحصار والحرب، بين قوى الثورة السورية  والجيش السوري الحر وكتائب أخرى، وبين القوى الداعمة لبشار الأسد -الجيش العربي السوري بالأساس- في الغوطة الشرقية، وتحديداً في مدينة الدومة منذ أواخر 2011 وحتى عام 2015.

ينحاز الفيلم انحيازاً لا لبس فيه ضد نظام بشار الأسد الطائفي وجرائمه البشعة وضد داعش متخذاً من شعار "الكاميرا البندقية ..الكاميرا هي السلاح" نظاماً جمالياً حيث نرى مواجهة هادئة عبر اللاسلكي بين جندي في الجيش الحر وبين جندي في جيش بشار ليس عن طريق مبدأ اللقطة/اللقطة المضادة ولكن في صوت مقابل صوت لأن الصورة توجد حصرياً في المعسكر المناهض لبشار الأسد، ونرى في إحدى اللقطات عين كاميرا الفيلم تتطابق مع عين عدسة من منظور قناص ضد قوات جيش بشار ونسمع تعليق أحد صناع الفيلم في حوار إذاعي بالإنجليزية يصرّح بأن الكاميرا هي سلاحه الوحيد، ذلك الشعار الذي صكه وبدأه المخرج الكوبي المناضل سانتياجو ألباريث (1919-1998) كاقتراحه في خضم معركة بلاده، كما كان قد تبناه أيضاً واحد من أجمل وأهم الأفلام السورية منذ بداية الثورة السورية في 2011 (الرقيب الخالد، 2014) من إخراج زياد كلثوم.

هذا الانحياز حفظ الفيلم من وجهة نظري من الوقوع في فخ البروباجاندا لقوى الثورة السورية أو ماتبقى منها على أرض سوريا رغم أن صناع الفيلم كما يبدو هم طلبة فنون تطوعوا كمسئولين إعلاميين للتوثيق بالصوت والصورة ضمن تنسيقية الثورة في الغوطة الشرقية.

كذلك نرى في هذا الفيلم الأسلوب المعاكس لكثير من الأفلام السورية المنحازة ضد نظام بشار، التى نجد فيها المخرج أو الصانع يسعى الى إحكام سلطته كمؤلف على الفيلم عن طريق بلاغة قديمة وركيكة وسطحية، هي بنت شرعية لسلطوية تربية وتعليم ومؤسسة الأدب والفخامة الفارغة لنظام الأسد -الأب والابن- في تقديري، يكتب بها نص التعليق الصوتي في تلك الأفلام لترجمة وتفسير وتقويض صور قوية وغنية لا تحتاج لكلام، يلتقطها آخرون من مختلف الأراضي السورية وينشرونها على الإنترنت، نرى ذلك واضحاً جلياً في فيلم المخرج الكبير أسامة محمد (ماء الفضة، 2014) وفيلم زياد كلثوم (طعم الأسمنت، 2017).

يعتمد الفيلم أيضاً على صور سينمائية ضد نظام إنتاج الصور في وسائل الإعلام المتنوعة التى تقوم على مبدأ حتمية المونتاج ليركز على البث المباشر للكارثة، على الأخبار والأحداث والأرقام والإحصاءات والجثث والدماء والخراب والعنف.

لا نرى في الفيلم توثيقاً للمذبحة التي قُتِل فيها آلاف الأطفال بالأسحلة الكيماوية لجيش بشار من أجل محاصرة الغوطة لكن نرى ما قبلها وما بعدها، ويحاول صناع الفيلم أن يخففوا من قبضتهم على الفيلم/الكاميرا ليصبح الفيلم حتى النهاية عبر الاختيار الفني والجمالي وقلة القطعات المونتاجية، كساحة ديمقراطية تعج بالآراء والأحاسيس والصور والأصوات المتنوعة والمتناقضة أحياناً من منظورات مختلفة داخل المعسكر المناهض لبشار، ومن ضمنها المنظور الذاتي المستقل الذى نراه من وجهة نظر صناع الفيلم وصديقهم ميلاد القادم من دمشق، لاسيما في صور أحاسيس "المناخوليا" التى تغلف الفيلم في الحركة بين الغوطة المشتعلة ودمشق الهادئة والعكس.

أخيراً، ربما لا يخلو ذلك الفيلم من صور الكليشيهات، مثل الرياضة والموسيقى والغناء تحت القصف، الجرافيتي على أطلال مدينة، وسيدة تستوقف الكاميرا لا لتجذب جمهور أو تثير الشفقة ولكن لتطمئن على آخرين وتطمئنهم، مما يدعونا للبحث وإعادة التفكير والتساؤل حول معاني الصور وفقاً لسياقات إنتاجها.

    إضافة تعليق جديد

    نص عادي

    • لا يسمح بوسوم HTML.
    • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
    • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.