"يوم أضعت ظلي"... كيف تعرف الحرب دون أن تراها؟
في أحد مشاهد الفيلم السوري "يوم أضعت ظلي" تتجه سناء برفقة مجموعة من النساء القرويات في ريف دمشق ليحفرن قبوراً استعداداً لعودة الرجال من تظاهرة يوم الجمعة.
في تلك المقبرة المرتجلة تستعرض الكاميرا شواهد القبور المجردة من أي شيء سوى أرقام لا نعلم دلالتها بالضبط. نرى النسوة يحفرن القبور بثبات وهدوء كمن اعتاد على فعل الأمر فيما تحفر سناء بنهم شديد يشي بهوس لحظي أصابها وباستخدام يديها. تلاحظ أحد النسوة الأمر وتمد يدها لتخرجها من القبر وتصطحبها مهدئة إياها للمنزل.
يلخص المشهد السابق ببلاغة تعبيرية فائقة تناول الفيلم للحرب باعتبارها حدثاً يومياً وأمراً استثنائياً في آنٍ واحد، حيث نجد بين شخوص الفيلم من أدرك تماماً ماهية الحرب وتعايش معها كجزء من عالمه ومن لا يزال يكتشف ببطء المعنى الكامل لأن تعيش في زمن الحرب. هذا التفاوت في الفهم والاستيعاب هو المسافة التي تقطعها البطلة بين فزعها ولهفتها المستمرة في مشهد الفيلم الأول وبين هدوئها وتماسكها في مشهده الأخير.
يتتبع "يوم أضعت ظلي" وقائع عدة أيام من حياة سناء، صيدلانية وأم وحيدة تعيش مع ابنها في أحد ضواحي دمشق. حين تفرغ أسطوانة الغاز في بيت سناء، تجد سناء نفسها مجبرة –كرب وحيد للأسرة- على الذهاب في رحلة غير مأمونة العواقب برفقة الإخوة خليل وريم للحصول على أسطوانة جديدة. تتحقق أسوأ كوابيس سناء، التي يتبين لنا من مشاهد الربع الأول من الفيلم مدى رغبتها في تمرير أيامها بأي شكل وتفادي المشكلات بأي ثمن، حينما يهرب سائق التاكسي من نقطة تفتيش بسبب احتفاظه بمواد مصورة لأحد التظاهرات ليجد الثلاثة –سناء وخليل وريم- أنفسهم في نقطة مجهولة خارج دمشق ولتبدأ رحلة العودة –والعثور على أسطوانة الغاز- الطويلة.
يبتعد "يوم أضعت ظلي" عن المعالجة الصاخبة للحرب، بل ويكاد ينأى بنفسه تماماً عن تفصيل طبيعة الصراع في سوريا وتوضيح أطرافه وملابساته بخلاف إشارة خافتة في مطلع الفيلم لأن الأحداث تقع في عام 2012. بالمقابل تضع سؤدد كعدان مخرجة الفيلم وكاتبته شخصياتها في القلب من الفيلم، وتفسح مكاناً لافتاً لقصتهم الصغيرة داخل السياق الأكبر للحرب والأزمة.
تختار كعدان لزاويتها الخاصة في معالجة الحرب كما تظهر في "يوم أضعت ظلي" مزيجاً فريداً من السريالية والنزوع إلى صورة متقشفة بصرياً. تبدو خلفية كعدان كصانعة أفلام وثائقية واضحة عند استخدامها للكاميرا المحمولة كتفاً سعياً وراء صورة أكثر "واقعية" فيما تستخدم الموسيقى التصويرية في مواضع نادرة من الفيلم. في الآن ذاته تسري في الفيلم لمسة غرائبية واضحة باكتشاف سناء لكون خليل بلا ظل وحديث ريم وخليل عن الأمر باعتباره ظاهرة شائعة في المدن التي تتصاعد فيها الحرب.
في أحد مقابلاتها الصحفية في أعقاب فوز الفيلم بجائزة أسد المستقبل كأفضل فيلم أول في مهرجان فينيسيا تشرح كعدان رمزية استخدام الظل قائلة أنها تأثرت برؤية صور هيروشيما في اليوم التالي لقصفها بالقنبلة النووية التي لم تدمر المدينة وحسب وإنما حولت أهلها إلى ظلال وتستطرد قائلة "في هذه اللحظة فكرت أن هذه هي الطريقة التي أشعر بها حيال دمشق، هذا هو ما يحدث، نحن نمشي وإنما بلا ظلال."
وبخلاف فوز الفيلم بجائزة العمل الأول في مهرجان فينيسيا، فقد فاز يوم أضعت ظلي بجائزة لجنة التحكيم الخاصة في مهرجان لوس أنجلوس للأفلام ونافس ضمن مسابقة العمل الأول في مهرجان لندن 2018.
إضافة تعليق جديد