يعني إيه ستوديو مصر؟!
لم تكن مفاجأة أن تكون أولى نتائج البحث عن "ستوديو مصر" بمحرك البحث الأشهر عالميًا "جوجل" هي تلك الخاصة بسلسة مطاعم تحمل نفس اسم ذلك المشروع القومي الذي أسسه الرأسمالي الوطني طلعت حرب عام 1935
فهي في آخر الأمر نتيجة تتسق وطبيعة السواد الأعظم من المجتمع المصري الذي يشغل الطعام الحيز الأكبر والأهم من اهتمامه على جميع الأصعدة بداية من المناسبات العائلية وصولاً إلى الأعياد والاحتفالات العامة والقومية، لتعكس نتيجة هذا البحث البسيط ما حدث، وليس فقط ما حدث لستوديو مصر، ذلك المشروع القومي الوطني العريق بشكل خاص ولكن أقصد ما حدث بشكل عام: تحول المجتمع المصري من مجتمع معرفي نهِم للمعرفة يسعى إلى التخمة الثقافية منذ الأربعينات وحتى الستينات إلى ذلك المجتمع الاستهلاكي الذي يسعى خلف تخمة البطون لا تخمة العقول.
تتطرق المخرجة منى أسعد من خلال فيلمها الوثائقي الطويل "في ستوديو مصر" إلى الفترة التي طُرح فيها ستوديو مصر للخصخصة عام 2000، وذلك بعد عقود من خضوعه لإدارة القطاع العام، ثم ترصد من خلال رحلة فريق من الشباب الحالم عاشقي السينما والعاملين بها لتحديث ذلك الاستوديو العريق، وذلك بعد أن حصلوا على حق إدارته لمدة عشرين عامًا بعد طرحه للخصخصة من قِبل الشركة القابضة التابعة لوزارة قطاع الأعمال، لتعكس تلك الرحلة أيضًا فصلًا أخر من فصول حكاية ما حدث!
فتذكر المخرجة منى أسعد في بداية الفيلم أنها انضمت إلى فريق شركة الإكسير وهي شركة إنتاج مستقلة وخاصة، أسسها شباب كانوا يطمحون بأن يكون مشروع فيلم "أخناتون" للراحل العظيم شادي عبد السلام هو باكورة إنتاجها، في نفس الوقت وبالتوازي مع ذلك الحلم الطموح الذي شرع فيه هؤلاء الشباب، كانت الدولة قد بدأت سياسة خصخصة أصول السينما والتي يمكن أن نطلق عليها بمنتهى الأريحية سياسة اللاسياسة، فلم يكن الأمر خاضعًا لخطة نابعة من فهم لطبيعة الأصول أو تاريخها أو قيمتها المادية أو المعنوية ولكنها كانت مجموعة من الإجراءات الروتينية العبثية التي تغلفها البيروقراطية في أقسى وأبشع صورها، فلم تكن تلك البيروقراطية المُتعارف عليها الخاصة بتأخر أو بتعطل إنجاز مصلحة أو معاملة رسمية لفرد ولكنها بيروقراطية غاشمة وجاهلة تتحكم في مصير تراث قومي، تتحكم في مصير معلم وصرح فني وتاريخي يتعامل معه الموظفون القائمون على إدارته والمخول لهم تسليمه لمديريه الجدد على أساس أنه مخزن يحتوي على مجموعة من الماكينات الصدئة التي يجهلون وظائفها أو طبيعتها، بالإضافة إلى مجموعة من شرائط الأفلام التي تسبب إهمالهم لها ولتخزينها بالطريقة الصحيحة في تحللها غير مبالين ولا منتبهين بأن هذه الشرائط هي جزء ومكون أساسي من مكونات هويتهم الثقافية.
وكما خاض كريم جمال الدين وحاتم طه وعلي مراد ورفاقهم رحلة أو بالأحرى مغامرة تقترب مدتها عن العشرين عامًا، خاضت المخرجة منى أسعد رحلة أخرى، رحلة استكشاف جزء أصيل من تراث هذا البلد، فلم تكن الرحلة لتوثيق قصة هؤلاء الشباب وما أنجزوه "في ستوديو مصر" وفقط بقدر ما كانت رحلة بحث عن إجابات لمجموعة تساؤلات أولها كان ماذا حدث لستوديو مصر وأهمها ماذا يعني ستوديو مصر، لتجيب منى أسعد عن هذا التساؤل بتلاقائية شديدة في بداية الفيلم بأن "ستوديو مصر يعني السينما".
إضافة تعليق جديد