"طريق السمونى" .. أحزان أسرة وطفولة ضائعة تحت وطأة الحرب
على مدار 22 يوماً فى الفترة من 27 ديسمبر 2008 وحتى 18 يناير 2009 عاش أهالى قطاع غزة رعباً هائلاً، تحت وطأة الهجوم الحربى الذي شنه الجيش الإسرائيلي على القطاع بالقنابل والدبابات فى عملية عرفت بـ"الرصاص المصبوب" راح ضحيتها ما يقرب من 1500 شهيد فلسطيني
ودمرت أحياء بكاملها وكان من بينها "حي الزيتون" الذي وصفه الكثيرون بأنه كان يشبه جنة الله على الأرض.
حظي المخرج الإيطالي ستيفانو سافونا على فرصة الدخول إلى قطاع غزة فى الأيام العشرة الأخيرة من الحرب، والتقى وقتها بعائلة السموني التى فقدت فى هذه الحرب 29 فرداً من أبناءها من بينهم نساء وأطفال، وفي فيلمه الوثائقي "طريق السموني" يستعيد سافونا مع الطفلة أمل وعدد من أفراد الأسرة الناجين بعد عام من وقوع الحرب ذكرى ما حدث لهم فى 4 يناير 2009 وهو تاريخ دخول قوات الجيش الاسرائيلي للمنطقة واستشهاد والد أمل وشقيقها الأصغر وأعمامها الثلاثة، بينما تحاول أسرة السموني تجاوز أحزانها وبناء حياة جديدة مع الاحتفال بأول زفاف بعد الحرب وزواج فرج شقيق أمل من ابنة عمه شفا.
يرصد المخرج بالكاميرا الدمار الذى ألحقه الجيش الإسرائيلي بحي الزيتون ولم يقتصر على تدمير المنازل فقط وإنما أيضا تجريف الأراضي الزراعية واقتلاع أشجار الجميز والزيتون التى تحولت إلى ذكرى وستحتاج إلى سنوات كى تنمو من جديد، كما قدم من خلال لقاءاته مع أفراد الأسرة صورة عن الظروف المعيشية الصعبة التى مروا بها بعد الحرب وتأثير الأحداث وفقدان الأب على الأطفال.
واستخدم الرسوم المتحركة باللونين الأبيض والأسود -بالتعاون مع الفنان سيمون ماسي- ليملأ الفراغات فى الشهادات التى يرويها أفراد الأسرة عن أحداث الرابع من يناير ويعيد إحياء الشهداء لكى يقدموا قصتهم بأنفسهم، مستعيناً بمعلومات موثقة من ملفات التحقيق الداخلي فى الجيش الاسرائيلي مع الضباط الذين تم اتهامهم بارتكاب جرائم حرب لقتلهم مدنيين، فى تجسيد واقعة قصف منزل وائل السموني بعد أن جَمَعت فيه القوات عدداً كبيراً من أفراد أسرة السموني أغلبهم من الأطفال والنساء فيما يشبه عملية الإعدام الجماعي، ومُنِعت عربات الإسعاف والصليب الأحمر من الوصول للمصابين لما يقرب من 4 أيام، وهذه المعلومات تم الإعلان عنها بعد غلق التحقيقات فى عام 2012 بحجة أن التهم ليس لها أساس من الصحة.
وتعتبر هذه المشاهِد من النقاط المميزة فى الفيلم، رغم أنها تأخرت فى تسلسل السرد الذي ركز المخرج فى بدايته على تتبع الحياة اليومية لأطفال الأسرة بعد عام من الحرب للتعرف على تأثيرها عليهم، وكان من الممكن تكثيف هذا الجزء الذى يمتد لما يقرب من ساعة من مدة الفيلم، صاحبها أيضا استخدام الرسوم المتحركة للتعبير عما يدور فى عقول هؤلاء الأطفال، ونجح فى تحقيق هدفه فى بعض المناطق مثل تخيل الطفلة أمل لقوات الجيش الإسرائيلي على أنها أفيال ضخمة أرسل الله طيوراً تحمل حجارة لمهاجمتها وحمايتهم منها بعد أن سمعت والدها يقرأ سورة "الفيل" من القرآن الكريم.
"طريق السموني" الحائز على العين الذهبية لأفضل فيلم وثائقي من مهرجان كان السينمائى الدولي فى 2018، لا يعتبر الفيلم الأول للمخرج ستيفانو سافونا عن هذه الحرب، حيث قدم فى عام 2009 فيلم "الرصاص المصبوب" على اسم العملية الحربية الاسرائيلية ووثق فيه ما حدث فى قطاع غزة خلال 22 يوماً، وحاز عنه على جائزة لجنة التحكيم الخاصة من مهرجان لوكارنو السينمائى الدولي، لكن "طريق السموني" حمل خصوصية إضافية عن الفيلم الأول إذ حاول من خلاله التعبير عن التأثير النفسى للحرب على أطفال هذه الأسرة.
إضافة تعليق جديد