«رجم ثريا»...وانتصار...وليلى
خبر صغير مهمل في إحدى الصحف المهتمة بالجرائم والحوادث في الخرطوم. يتناول حيثيات حكم إحدى محاكم الخرطوم على سيدة بالرجم لارتكابها جريمة الزنا.
تتشكل مجموعة صغيرة سرّية من الناشطات والناشطين على فايسبوك وتتبادل المعلومات حول الخبر. ماذا نحن فاعلون؟ من هذه السيدة؟ وكيف سنواجه هذه الكارثة؟
عمليات جمع معلومات عن القضية؛ تحركات لمجموعة من المحاميات؛ ومقابلة المحكوم عليها.
انتصار عبد الله ذات العشرين ربيعا تقبع بسجن أمدرمان للنساء، تحضن رضيعها. فارقت انتصار زوجها منذ أكثر من عام ومن ثم اعتقلت مع شريك جديد. ما المشكلة؟
حتى ذلك الوقت لم تعلم المسكينة معنى الرجم. لم تكن تعلم أن ذلك يعني نهاية حياتها بطريقة قاسية. أقصى ما تخيلته أن تُقذَف بعض الحجارة عليها وتُتْرك لتذهب إلى سبيلها.
ما العمل؟ كان السؤال يقلق منام جميع العاملين في الحملة أفرادا ومنظمات (على قلتنا). هناك ثغرات قانونية في القضية ويمكن إقناع انتصار بالتراجع عن اعترافها. يمكن الضغط على وزارة العدل عن طريق حملة دولية وإشراك منظمات حقوقية.
بعد أيام من التداول والنقاش بدا واضحا أن انتصار ستنجو؛ ستتكفل المحاميات والمنظمات خارج السودان بذلك. لكن ماذا عن القانون نفسه؟ بل ماذا عن المجتمع الذي يؤيد تطبيق الشريعة الإسلامية؟ ماذا لو خرجنا على الناس وقلنا لهم اتركوا أمر الرجم والزنا؟ هل سنُقتل بتهمة الردة؟ نحتاج مخرجا. نحتاج إلى نقطة بداية.
خرجت انتصار بالفعل بعد أن تراجعت عن اعترافها للمحكمة.
لم يكد يمر شهر على خروج انتصار من السجن حتى صدر حكم على ليلى عيسى جمول بالرجم. كررنا الحملة وإجراءات المحاكمة. خرجت ليلى أيضا بعد تراجعها عن الاعتراف بالزنا.
لكن ماذا عساه يُخرِج القانون نفسه ويخرجنا من تكرار الأزمة؟
"عليكم مشاهدة «رجم ثريا»!" قالت مديرتي في العمل في منتصف نقاش مليء بالإحباط والحيرة.
فتحت الرابط الذي أرسلته لنا بالبريد الإلكتروني، وبدأت مشاهدة الفيلم في المكتب. بعد ساعتين من فتح الرابط، دخل أحد زملائي إلى المكتب لمناقشة موضوع. لا تنتهي قصص الانتهاكات في مكتبنا. فوجئ هو وفوجئت أنا لاحقا بردة فعلي. وجهي مليء بالدموع والغضب. طلبت منه الخروج فورا والابتعاد من أمامي. أخبرته أنني أكره المجتمع وأكره الرجال وأكره الحياة ولا أريد الحديث مع أي شخص.
بعد ذلك المشهد الدرامي بساعة، خرجت من مكتبي، متفقة مع الرأي الذي يقول بأهمية عرض هذا الفيلم ونقاشه في الخرطوم. قد تعالج الصدمة عقولا ذهبت بها السلفية والتشدد.
يحكي «رجم ثريا» عن صحفي يمر بإحدى القرى الإيرانية، وبالصدفة يقابل سيدة تبدو غريبة الأطوار تدعوه لزيارتها بالمنزل كي تحكي له الأمر الجلل الذي وقع في القرية قبل يوم من زيارته. تحكي له عن ثريا، السيدة التي رفضت أن يتزوج عليها زوجها فاتهمها بالزنا وتم رجمها وسط تواطؤ رجال القرية وصمت نسائها.
ثريا جميلة، هادئة وقوية، رفضت الجنس مع زوج يضربها، لا ينفق عليها ويهينها باستمرار. ثريا لم تكن تحب زوجها ولكنها كانت تخشى الحياة إن تزوج غيرها. سيأخذ الولدين ويتركها وابنتيها بلا معيل.
تبدأ تجربة المشاهدة حقا مع عملية تنفيذ الرجم نفسها: حجرا بعد حجر على رأس ثريا. تتناثر الدماء على وجهها وثوبها الأبيض. تمتد هذه اللقطة لزمن لا يمكنك حسابه، كأنه دهر، كأنه عمر الكون كله. الأنكى أن ثريا تنظر في عينيك وتحكي لك عن ألمها المر. يا لهول نظرتها ويا لهول الألم في صوتها!
يتزامن رجم ثريا مع مرور سيرْك بالقرية. يرجمون ثريا ويذهبون بعد ذلك للمرح. لاستعراض جديد. سوريالية مدهشة ومخيفة.
بعد أسبوع بدأنا تنفيذ فكرة عرض الفيلم على مجموعات من الشباب. كان علينا مشاهدة الفيلم في كل مرة نقوم بعرضه فيها. لم يكن مسموحا لنا بمغادرة صالة العرض، فالفكرة كانت أن نرصد انفعالات وتفاعلات المجموعة مع المشاهد المختلفة كي نتمكن من إدارة النقاش بعدها.
كان أول العروض لمجموعة طلاب من جامعة الخرطوم. منهم من بكى ومنهم من لم يحتمل لقطات الرجم وغادر وآخرون غطوا أعينهم لتفادي النظر لتلك اللقطات. أهناك أثر إيجابي؟! سينتهي الفيلم وسيكون الحضور جميعه ضد الرجم!
بدأ النقاش.
"يا إلهي! كيف يرجمون تلك المسكينة وهي لم تزنِ!"
أجل، كان ذلك هو محور نقاش الفيلم بالأساس.
هل نحتاج إلى مزيد من الصدمات؟
[ولاء صلاح ناشطة نسوية وحقوقية من السودان]
إضافة تعليق جديد